الخميس 15 سبتمبر 2022 08:31 م بتوقيت القدس
بعد أربعين عامًا على مجزرة صبرا وشاتيلا التي قُتل فيها نحو 1300 فلسطيني ولبناني وسوري على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيات حزب الكتائب اللبناني، لا تفارق صورة الجثث المكدسة والروائح المنبعثة منها، ذاكرة نجيب الخطيب الذي فقد يومها والده وعشرة من أفراد عائلته.
ويقول الخطيب (52 عامًا)، وهو لبناني الجنسية، لوكالة فرانس برس، "بقيت رائحة الجثث أكثر من خمسة أو ستة أشهر. رائحة كريهة. كانوا يرشون الأدوية كل يوم، لكن الرائحة بقيت تعبق في رؤوس الناس".
ويضيف بينما يستعد سكان المخيمين الواقعين على أطراف بيروت لإحياء ذكرى المجزرة الجمعة "حتى الآن، لا تزال رائحة القتلى في رؤوسنا".
كان لبنان في تلك الفترة غارقًا في الحرب الأهلية. وبين 16 و18 أيلول/ سبتمبر 1982، أقدم عناصر ميليشيات حزب الكتائب اللبناني بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي على قتل ما بين 800 وألفي فلسطيني في مخيمي صبرا وشاتيلا، ولم تعرف الحصيلة الحقيقية النهائية. وراح ضحية المجزرة كذلك مئة لبناني على الأقل وعدد من السوريين.
وفرض جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كان اجتاح لبنان في حزيران/ يونيو من العام نفسه، طوقًا حول المخيمين طوال المدة التي ارتكب فيها المسلحون مجزرتهم بحق مدنيين، وفق ما كشفت تقارير إعلامية وأرشيفات إسرائيلية في وقت لاحق.
يسير الخطيب في أزقة المخيم، مستعيدًا صفحة سوداء لم يقو الزمن على إزالتها من ذاكرته لا سيما في غياب تحقيق العدالة.
يشير إلى جدار متداع، ويروي "كانوا يأتون بهم من هنا وهناك إلى هذا الحائط ويعدمونهم هنا".
ثم يتوقف عند زقاق مجاور لمنزل جدته. ويضيف "خلال المجزرة كان الشارع يغصّ بالقتلى.. تكدست جثث القتلى... فوق بعضها البعض".
لكن المشهد الأقسى كان رؤيته لوالده. يستعيد تلك اللحظات الثقيلة "عندما وصلت إلى المنزل، وجدت والدي عند الباب وقد أطلقوا الرصاص على رجليه وضربوه بفأس على رأسه".
رغم الإدانة العالمية للمجزرة، لم يتم توقيف أي من المسؤولين عنها أو محاكمته أو إدانته.
ووقعت المجزرة بعد أيام من اغتيال رئيس الجمهورية المنتخب حينها حديثًا بشير الجميل الذي كان بالنسبة إلى اللبنانيين المسيحيين حينها "بطلًا" قادمًا لإنقاذهم من الحرب والتدخلات الفلسطينية والسورية العسكرية في بلادهم، بينما كان مكروهًا من لبنانيين آخرين كانوا مع الطرف الآخر في الحرب الأهلية وأخذوا على الجميل تعاونه مع إسرائيل.
وحمّلت لجنة تحقيق رسمية إسرائيلية بعد سنوات من وقوع المجزرة، المسؤولية غير المباشرة عنها، إلى عدد من المسؤولين الإسرائيليين بينهم وزير الدفاع في حينه أرئيل شارون. كما ألقت بالمسؤولية الأساسية على إيلي حبيقة الذي كان آنذاك مسؤول الأمن في "القوات اللبنانية".
وعُرف حبيقة بعلاقاته مع المسؤولين الإسرائيليين، قبل أن يتقرّب من السوريين في المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية (1975-1990). وأصبح عام 1992 وزيرًا في الحكومة ونائبًا. واغتيل في 24 كانون الثاني/يناير 2002 بتفجير سيارة مفخخة في الحازمية (شرقي بيروت).
ولم ترد القوات التي كانت في حينه ميليشيا متحالفة مع إسرائيل، على هذه الاتهامات مطلقًا. والتزمت الصمت حول الموضوع.
ورفعت مجموعة من الناجين دعوى قضائية على شارون في بلجيكا، لكن المحكمة رفضت النظر في القضية في أيلول/سبتمبر 2003.
وتتذكر أم عباس (75 عامًا)، وهي لبنانية من سكان صبرا شهدت المجزرة، مشاهد "لا يمكن تخيّلها".
وتقول "ماذا رأيت؟ إمرأة حامل أخرجوا الطفل من بطنها، بعدما شقوه إلى جزءين... من نُحر عنقه ومن قطعت أطرافه".
وتضيف أن إمراة أخرى كانت حامل أيضًا، انتزعوا الطفل من أحشائها.
وتتذكر بينما تجلس على عتبة في زقاق ضيق كيف "عملت جرافة على جرف الجثث ووضعها فوق بعضها البعض في حفرة عميقة".
ويحيي الناجون من المجزرة ومنظمات حقوقية سنويًا ذكرى المأساة. ويزور كثيرون منهم مقبرة صبرا حيث دفن العديد من القتلى.
أمام نصب تذكاري عليه إكليل من الزهر، يتلو الفلسطيني عامر عقر (59 عامًا) الصلاة.
ويقول لفرانس برس "بعدما انتهت المجزرة، دخلنا ووجدنا كل الناس على الأرض مذبوحين".
ويضيف "وجدنا حبوبًا وسيوفًا وحشيشا ومخدرات على الأرض، لا أحد يقوم بمثل هذا القتل ما لم يكن رأسه مخدرًا".