الاربعاء 03 مارس 2021 17:57 م بتوقيت القدس
أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، اليوم الأربعاء، فتح تحقيق رسمي بجرائم حرب ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر، بحسب ما جاء في بيان صدر عن المدعية العامة في المحكمة، فاتو بنسودا.
جاء ذلك وسط تخوف إسرائيلي من القرار الذي اعتبروه "مفاجئا"، وأشارت القناة العامة الإسرائيلية ("كان 11") إلى أن قرار الجنائية الدولية "سيؤثر على المئات من الأشخاص بينهم مسؤولون كبار حاليون وسابقون على المستويين السياسي والعسكري".
وأوضحت المدعية العامة أن "قرار فتح التحقيق في الوضع في فلسطين جاء بعد فحص أولي استمر لنحو 5 سنوات"، مشددة على أن التحقيق سيتم "بشكل مستقل وحيادي وموضوعي دون خوف أو محاباة بهدف إظهار الحقيقة"، ولفتت إلى أن "ولاية المحكمة تمتد من غزة إلى الضفة بما فيها القدس الشرقية".
وجاء في البيان أنه "أؤكد بدء مكتب المدعي العام إجراء تحقيق يتعلق بالوضع في فلسطين. سيغطي التحقيق الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والتي يدعى أنها ارتكبت في سياق القضية منذ 13 حزيران/ يونيو 2014".
ولفتت بن سودا إلى أن "الأولويات المتعلقة بالتحقيق سيتم تحديدها في الوقت المناسب، على ضوء التحديات التشغيلية التي قد نواجهها في ظل الوباء، والموارد المحدودة المتاحة لنا، وعبء العمل الثقيل. ومع ذلك، فإن مثل هذه التحديات، مهما كانت شاقة ومعقدة، لا يمكن أن تصرفنا عن الاضطلاع في نهاية المطاف بالمسؤوليات التي يضعها ميثاق روما على عاتق المحكمة".
وأوضحت أنه "بموجب نظام روما الأساسي، إذا أحالت دولة طرف حالة ما إلى مكتب المدعي العام وتقرر وجود أساس معقول لبدء التحقيق، فإن المكتب ملزم بالتصرف. وكخطوة أولى، يُطلب من المكتب إخطار جميع الدول الأطراف والدول التي عادة ما تمارس الولاية القضائية على الجرائم المعنية بتحقيقاتها".
وقالت إن "نظام روما الأساسي يُلزم المكتب بتوسيع تحقيقه ليشمل جميع الحقائق والأدلة ذات الصلة بتقييم ما إذا كانت هناك مسؤولية جنائية فردية، وكذلك التحقيق في ظروف التجريم والتبرئة". وأضافت أن "قرار فتح التحقيق جاء في أعقاب تحقيق أولي شاق أجراه المكتب لقرابة خمس سنوات".
وتابعت أنّ "مكتبها تعامل خلال تلك الفترة مع مجموعة واسعة من الجهات المعنية، بما في ذلك اجتماعات منتظمة وبناءة مع ممثلي الحكومتين الفلسطينية والإسرائيلية". وأردفت أنّها "أعلنت في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2019 عزمها تقديم طلب إلى قضاة الدائرة التمهيدية الأولى لإصدار حكم لتوضيح النطاق الإقليمي لاختصاص المحكمة بشأن الوضع في فلسطين".
وتابعت أنه "في طلبنا المؤرخ في 22 كانون الثاني/ يناير 2020، حدد المكتب موقفه القانوني، لكنه شجع الدائرة التمهيدية الأولى على الاستماع إلى الآراء والحجج من جميع أصحاب المصلحة قبل البت في مسألة الاختصاص القضائي المحددة المعروضة عليها. وقد قامت الدائرة بذلك، واستمعت إلى جميع وجهات النظر".
ترحيب فلسطيني
ورحبت السلطة الفلسطينية بإعلان المدعية العامة، بدء مكتبها بإجراء تحقيق يتعلق بالوضع في فلسطين. وقالت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان، إن "هذه الخطوة التي طال انتظارها تخدم مسعى فلسطين الدؤوب لتحقيق العدالة والمساءلة كأساسات لا غنى عنها للسلام الذي يطالب به ويستحقه الشعب الفلسطيني".
وأضاف البيان أن "الجرائم التي يرتكبها قادة الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني هي جرائم مستمرة وممنهجة وواسعة النطاق، وهذا ما يجعل من الإنجاز السريع للتحقيق ضرورة ملحة وواجبة انسجاما مع ولاية المحكمة الجنائية الدولية في مكافحة الإفلات من العقاب وردع مرتكبي هذه الجرائم".
ورأت أن "قرار المدعية العامة بفتح التحقيق الجنائي وقرار الدائرة التمهيدية الأولى يثبت احترامها لولايتها واستقلالها، والتزامها بقيم ومبادئ العدالة الجنائية على النحو المنصوص عليه في ميثاق روما الأساسي، وهذا يعتبر شجاعة في مواجهة التهديدات غير مسبوقة، والمحاولات البائسة لتسييس عملها".
ودعا البيان، "الدول الأطراف، إلى احترام مسؤولياتها وعدم تسييس مجريات هذا التحقيق المستقل، ووجوب احترام كافة الدول الأطراف لالتزاماتها بحماية المحكمة من أي تدخل، وضمان حماية كافة أعضاء المحكمة، بما في ذلك القضاة والمدعية العامة، وعائلاتهم من أي تهديد أو محاولة إكراه من أي طرف كان".
وأكد البيان على "الاستمرار في تعاون (فلسطين) التام والاستعداد لتقديم أي مساعدة مطلوبة تنفيذا لالتزاماتها كدولة طرف في ميثاق روما، بما يخدم تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني وفق الضوابط القانونية المنصوص عليها في ميثاق روما".
كما رحّب مركز "عدالة" بقرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، ورأى به "تأكيدًا على ادعاءاته لسنوات، في أروقة المحاكم الإسرائيلية وأمام المنظمات الدولية"، وذلك في بيان صدر عنه مساء اليوم.
واعتبر أن "التحقيق الدولي في ارتكاب جرائم حرب خطوة أولى على طريق طويل لإحقاق العدالة للشعب الفلسطيني الذي عانى ويعاني من سياسات الاحتلال ولضحايا الجرائم الفظيعة التي ترتكب بشكل يومي وبصورة سافرة. إذ يحمي النظام الإسرائيلي بجميع مؤسساته مرتكبي هذه الجرائم، ولا يحقق أو يقدم أي مشتبه بارتكابها للمحاكمة، بل على العكس، يمنحهم حصانة تتيح لهم الإفلات من المسؤولية والعقاب".
نتنياهو: إسرائيل تتعرض لهجوم
وفي تعلقه على القرار، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن "إسرائيل تتعرض للهجوم الليلة"، مدعيا أن "القرار سياسي"
وادعى أن قرار المحكمة الجنائية الدولية "يمثل جوهر معاداة السامية وجوهر النفاق". وتابع أن "المحكمة قضت بأن جنودنا الأبطال والأخلاقيين الذين يحاربون الإرهابيين هم مجرمو حرب"، على حد مزاعمه.
وقال إن "المحكمة التي أقيمت لمنع تكرار الفظائع التي ارتكبها النازيون ضد الشعب اليهودي تنقلب الآن على دولة الشعب اليهودي. وبالطبع لم تنبس ببنت شفة ضد إيران وسورية والأنظمة الديكتاتورية الأخرى التي ترتكب جرائم حرب حقيقية".
وأضاف نتنياهو أن الحكومة الإسرائيلية "ستحمي جميع الجنود والمدنيين وستقاتل لإلغاء هذا القرار".
من جانبه، قال وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، إن وزارته ستشكل "طاقما خاصا للتعامل مع قرار المحكمة والعمل على تغييره والتأثير فيه".
وأشار غانتس إلى أن القرار قد "يطال المئات من الأشخاص"، في إشارة إلى القياداة العسكرية والسياسية المتورطة في جرائم الحرب ضد الفلسطينيين، مشيرا إلى أن "وزايته ستهتم لأمرهم".
التحقيقات ستستغرق وقتا
وفي بيانها، حثّت بنسودا "الفلسطينيين والإسرائيليين والمجتمعات المتضررة من القرار على التحلي بالصبر". وقالت إن "المحكمة ستركز اهتمامها على المجرمين الأكثر خطورة، أو أولئك الذين سيتحملون المسؤولية الأكبر عن ارتكاب الجرائم".
وقالت إن التحقيقات "تستغرق وقتًا ويجب أن تستند بشكل موضوعي إلى الحقائق والقانون. وسيعتمد مكتبي، في اضطلاعه بمسؤولياته، نفس النهج المبدئي وغير المتحيز الذي اعتمده في جميع الحالات التي يُنظر فيها إلى ولايته القضائية. ليس لدينا أجندة سوى الوفاء بواجباتنا القانونية بموجب نظام روما الأساسي بنزاهة مهنية".