أعادت الهزات العنيفة التي تعرض لها الاقتصاد العالمي على خلفية التداعيات السلبية لتفشي وباء كورونا، الحديث عن مدى إمكانية أن يصبح الاقتصاد الإسلامي بديلا للرأسمالية.
وفرض الحديث حول مستقبل الاقتصاد الإسلامي في ظل المتغيرات التي يشهدها العالم، نفسه على الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الثالث للأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي “إيفي”، الذي انطلقت فعالياته الأحد “عبر الإنترنت”، واختتم جلساته مساء الاثنين.
وجاء مؤتمر “إيفي” الثالث هذا العام تحت عنوان “نحو نظام نقدي إنساني عادل”، بمشاركة عشرات العلماء والباحثين في مجال الاقتصاد الإسلامي من 17 دولة، بحسب رئيس الأكاديمية أشرف دوابة.
“شراك المنهجية”
وحول رؤيته لمستقبل الاقتصاد الإسلامي، يرى أستاذ الاقتصاد بمعهد الاقتصاد والتمويل الإسلامي بجامعة أنقرة للعلوم الاجتماعية، معبد الجارحي، أن الاقتصاد الإسلامي يتطور بسرعة رهيبة، مستشهدا بالحجم الكبير والمتزايد للأبحاث والدراسات والكتب التي تهتم بتناول الجوانب المختلفة للاقتصاد الإسلامي، مقابل تزايد الانتقادات المؤلمة والفاضحة للنظرية الاقتصادية الغربية.
ودعا الجارحي الاقتصاديين الإسلاميين إلى الكف عن مناقشة المنهجية التي أخذت مساحة واسعة من اهتماماتهم منذ منتصف القرن الماضي، معتبرا أن الحديث عن المنهجية في ظل الواقع الحالي والمتغيرات التي يشهدها العالم كالحديث عن الطهارة في ظل الأزمات والنكبات السياسية التي تمر بها الأمة.
وقال: “نحن نريد من الاقتصاديين الإسلاميين التعرض مباشرة إلى قضايا الاقتصاد الإسلامي، وأن ننشئ جيلا جديدا من الاقتصاديين الإسلاميين يستطيعون تناول هذه المشاكل ولا يقعون في شراك المنهجية”.
“شرط التطبيق”
ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية في مصر، عبد الرحمن يسري، إن تطبيق الاقتصاد الإسلامي يستلزم أن تكون الشريعة مطبقة في جميع النواحي، مضيفا: “بدون تطبيق الشريعة لن يكون هناك اقتصاد إسلامي”.
وتابع: “طريقة تطبيق الشريعة الآن أن تكون في صورة قوانين عملية”، لافتا إلى أن التجربة التي حدثت في تطبيق الاقتصاد الإسلامي في كل من إيران والسودان، لم تؤد دورها كما ينبغي في كلتا الدولتين، لأن الشرط الكافي لتطبيق الاقتصاد الإسلامي ليس فقط تطبيق الشريعة بل العقيدة والأخلاق المنبعثة من العقيدة”.
ودعا يسري إلى ضرورة إنشاء جيل جديد بهذه الأخلاقيات الإسلامية، جيل يمتلك الدافع للعمل والإتقان والتعاون وتزكية النفس وأداء حقوق الاستخلاف، لكي يحافظ على الشريعة الإسلامية دون جهد ودون إقامة حدود وخلافه، ويشرف على تنفيذ نظريات الاقتصاد الإسلامي.
وأردف: “كما أن تطبيق الاقتصاد الإسلامي يحتاج إلى أن تمتلك الدول الإسلامية اقتصادا قويا ومتقدما، فحينما نصير دولا قوية اقتصاديا تستطيع أن تمتلك عملة قوية وتفرض قوانينك ونظرياتك الإسلامية”.
“بطن الرأسمالية”
وأكد الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، علي القرة داغي، أن الاقتصاد الإسلامي ينتشر ويتوسع يوما بعد يوم، قائلا: “نحن نتقدم ولا نتأخر، ويجب علينا أن ننطلق بكل ثقة للاتجاه نحو التأصيل إلى الاقتصاد الإنساني وليس بالضرورة أن نسميه الاقتصاد الإسلامي، لأن الإسلام جاء رحمة للعالمين”.
وأضاف: “أذكر عندما كلفني مجمع الفقه الإسلامي في بداية الثمانينات بكتابة بحث شرعي عن البورصة، ما وجدت إلا بحثا صغيرا جدا باللغة العربية، والآن يوجد كم كبير من الأبحاث والدراسات تغطي هذا الجانب”.
ودعا إلى ضرورة تنقية وتنقيح ما كتب من أبحاث ودراسات في الاقتصاد الإسلامي لوضع نظام اقتصادي متكامل في الاقتصاد الكلي والجزئي والسياسات والنظريات الاقتصادية.
ودعا القرة داغي إلى الخروج من بطن الاقتصاد الرأسمالي، وضرورة دراسة القرآن الكريم دراسة اقتصادية للخروج بنظريات جديدة وعملية، مع عدم الممانعة من الاستفادة من المخزون العلمي للاقتصاد الاشتراكي والرأسمالي.
وأضاف: “أرى أن المستقبل للإسلام” لافتا إلى أن العالم كله يهاجم الإسلام ويصدرون مصطلح “الإسلاموفوبيا” لكن عندما حدثت الأزمة فالعالم كله اتجه إلى الاستفادة من نظريات الاقتصاد الإسلامي.
“نظام نقدي جديد”
ودعا المشاركون في المؤتمر، الذي عقد عبر الإنترنت، إلى أهمية وضع استراتيجية نقدية بمنهج إسلامي لتشكيل نظام نقدي إنساني جديد وعادل محليا وعالميا يعكس مصالح جميع الدول بصورة متوازنة لتحقيق الاستقرار النقدي، وتدعيم جهود التنمية للجميع.
وقال رئيس أكاديمية “إيفي”، وأستاذ الاقتصاد بجامعة إسطنبول صباح الدين زعيم، أشرف دوابة، في كلمته، إن العالم يعيش حاليا أزمة في النظام النقدي سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وما زال الدولار هو المسيطر عالميا على هذا النظام باعتباره عملة الاحتياط الدولية.
وتابع: “من يمتلك القوة العسكرية يمتلك القوة الاقتصادية وفي القلب منها القوة النقدية والعكس صحيح أيضا، فالنقود عنصر قوة، ومن يمتلك القوة يمكنه إدارة شؤون النقد، وكذلك من يدير شؤون النقد يمتلك القوة، لذا تنظر الولايات المتحدة للدولار الأمريكي وهيمنته على أنه سر بقائها ومصدر قوتها”.
واستشهد دوابة بما ذكره جايمس ريكاردز صاحب كتاب حرب العملات “أنه لا يمكن الحفاظ على الهيمنة الأمريكية العسكرية الفريدة من نوعها إلا من خلال دور الدولار وهيمنته، وإذا سقط الدولار سيسقط معه الأمن القومي الأمريكي”.
ولفت دوابة إلى أن النظام النقدي الحالي أوقع العديد من الدول في مزيد من الأزمات، والتلاعب بأسعار صرفها، وفقدان استقلالها النقدي، مضيفا: “وليس بعيدا عنا ما تعرضت له الليرة التركية فضلاً عن عملات العديد من الدول كإيران ولبنان لهزات وتقلبات بفعل عدم وجود نظام نقدي يتسم بالاستقلالية والكفاءة والعدالة، حتى بات زواج العملات المحلية بالدولار زواجاً كاثوليكيًا لا مفر منه ولا فكاك عنه”.
وأشار دوابة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي حاولت تأسيس نظام نقدي، ولكن أبت الخلافات إلا أن تضع المجلس نفسه في مهب الريح وبات الاختلاف في تأسيس هذا النظام ومكان البنك المركزي فيه هو سيد الموقف.
وأوضح صعود قوى وتكتلات عالمية جديدة بعد أزمة كورونا بعيدا عن الهيمنة الأمريكية على النظام النقدي، وهذا يفرض أهمية تشكيل نظام نقدي إنساني عادل محليًا وعالميًا يعكس مصالح كل دولة بصورة متوازنة لتحقيق الاستقرار النقدي محليًا وعالميا.
وأكد أن الأمة الإسلامية أحوج ما تكون حاليا إلى وجود عملة إسلامية موحدة خاصة بعد أن باتت العملات الإلكترونية واقعا لا يمكن إغفاله حاليا ومستقبلا، مشددا على ضرورة التمسك بهذا الأمل، والبناء على ما سبق من تجارب لم تكتمل في هذا الصدد، ومنها تجربة البنك الإسلامي للتنمية الخاصة بالدينار الإسلامي، وتجربة رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد الخاصة بالدينار الذهبي.