الاحد 29 نوفمبر 2020 14:39 م بتوقيت القدس
في آخر لقاء له مع أعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يتزعمه، فجر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما أعتبره المراقبون "قنبلة سياسية"، إذ قال إنه يرى بلاده جزءا من أوروبا، وإن أي مشكلة مع دول أو مؤسسات ما لا يمكن حلها إلا بـ"الحوار والمفاوضات".
وبدا أن تصريح أردوغان، من حيث وقته ومكانه، قد يعني تحولا سياسيا محتملا لنهج أردوغان خلال المستقبل المنظور، بحيث تعود تركيا إلى موقعها التقليدي كحليف ضمن منظومة حلف شمال الأطلسي (ناتو) عسكريا، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وسياسيا.
وهذا قد يقود تاليا إلى التخلي عن شبكة حلفائه الإقليميين والدوليين، من التنظيمات المتطرفة أولا، مرورا بقطر وإيران، وانتهاء بروسيا والصين.
ومنذ عام 1987 تحاول تركيا الانضمام رسميا إلى التكتل الأوروبي، وخاضت مفاوضات ماراثونية لنيل العضوية لكنها كانت تفشل دوما، لأن الأحزاب والقادة السياسيين الأتراك كانوا يرفضون قبول "معايير كوبنهاغن السبعة عشرة"، التي تتعلق بحزمة من الإصلاحات الواجب اتباعها، حتى تكون دولة مخولة لعضوية الاتحاد.
حقيقة خطوات أردوغان
في سنوات حكمه الأولى، أوحى أردوغان، ومن خلفه حزب العدالة والتنمية، بأن مشروع أنقرة الإستراتيجي يتوخى نيل عضوية الاتحاد الأوروبي، وتم في سبيل ذلك إجراء جملة من التغييرات الاقتصادية والسياسية.
لكن المراقبين لاحظوا أن تلك التغيرات والوعود كانت الغاية الخفية منها تصفية المؤسسة العسكرية والخصوم السياسيين فحسب، فيما عمل أردوغان على تكريس حكم الرجل الواحد، وانتهج سياسات تتناقض تماما مع قيم ومعايير المنظومة الأوروبية، بالذات في مجال الحريات السياسية وحقوق الإنسان.
ممثل الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل رد بطريقة غير مباشرة على الرئيس التركي، مذكرا أن عضوية الاتحاد "ليست مجرد دعوات أو أمنيات"، وقال: "تركيا يجب أن تفهم أن سلوكها هو الذي يوسع انفصالها عن الاتحاد، وأن إعادة العلاقات إلى مسارها سيتطلب تغيرا جذريا في مواقف أنقرة".
ثلاثة ملفات ضاغطة قد تدفع أنقرة لتغيير مسارها الإستراتيجي الحالي ليكون أقرب للمنظومة الأوروبية، إذ أنها تواجه ظرفا اقتصاديا حرجا تنحدر فيه قيمة الليرة التركية بشكل يومي، وتنفر رؤوس الأموال الاستثمارية من البلاد من جراء الظروف السياسية.
وتترقب تركيا ضغوطا سياسية واقتصادية من الإدارة الأميركية المنتخبة، وفوق ذلك فإن الطريقة التي حسمت بها روسيا الحرب أذربيجان في ناغورني كراباخ عبر إخراج أنقرة تماما من الملف، أثبتت أن المنظومة الأوروبية وحدها قد تستطيع انتشال أنقرة من أوضاعها الحالية.
وفي المقابل، ترى المنظومة الأوروبية أن ملفات معقدة تفصلها عن تركيا راهنا، لا سيما سياسة الابتزاز التي تدير بها أنقرة ملف ملايين المهاجريين على أراضيها، حيث تهدد بهم أوروبا بهم بين مناسبة وأخرى، وتحولهم إلى أداة للحصول على المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي.
ومما يزيد من حجم الهوة الواسعة بين الطرفين، سلوك أنقرة في إثارة القلاقل الأمنية في العديد من الأقاليم، بما في ذلك دعم الجماعات المتطرفة داخل الدول الأوروبية، والسياسة التركية الداخلية التي يتبعها أردوغان، لا سيما تكريس الشمولية والقمع الواسع لحقوق الإنسان.
ويقول موقع "ون نيوز" الإخباري في تقرير إن رسالة أردوغان إلى بروكسل، بالدعوة إلى الحوار والمفاوضات، تأتي في الوقت الذي قد يقرر فيه زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة ديسمبر المقبلة مزيدا من العقوبات على تركيا، ردا على السلوكيات الأخيرة في شرق البحر المتوسط.
ويرى الأوروبيون، بحسب الموقع، أن خطاب أردوغان لم يترافق مع أي تغيير على أرض الواقع، فالسفن الاستكشافية التركية ما تزال تخترق المياه القارية اليونانية التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، وفوق ذلك، زار أردوغان جزيرة قبرص ودعا إلى حل الدولتين، في تعارض واضح مع التوجهات الأوروبية.
صحيفة "جورناليزم بوست" نشرت مقالا تحليليا مطولا للكاتب سلام الخطيبي، شرح فيها المرامي العميقة لأردوغان من وراء مثل تلك الدعوة للتحاور، وقال: "لطالما كان يقصف المصالح الإستراتيجية الأوروبية، منذ فقد كل ثقة في محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ووصل استفزازه إلى درجة دعوته لمقاطعة المنتجات الفرنسية في تركيا والعالم الإسلامي".
وتابع: "كان يفعل ذلك بروح الدعاية الشعبوية المنفصلة عن دوره الذي يستحقه كقائد سياسي يسعى لإدخال بلاده إلى المنظومة الأوروبية. يأمل أردوغان راهنا فقط في الحصول على دعم شعبي لتعويض تراجع شعبيته في الداخل وصرف الانتباه عن الليرة التركية المتراجعة".
أما الكاتب والباحث شارلي وايميرس فرأى في مقال نشره في موقع "نيو يوروب"، أنه "لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يتسامح مع ابتزاز تركيا وخطابها المهين للقيم والدول والشخصيات الأوروبية".
وتابع: "لذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يلقي بالا لدعوات أردوغان اللفظية، بل عوضا عن ذلك أن يدعم الدعوات الفرنسية واليونانية لتعليق الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وإظهار أن أي عمل تجاري تشاركي، أو بالأحرى، وجود أي عمل آخر أيا كان، لن يحدث بين الطرفين حتى تغير تركيا لهجتها وسلوكها العدواني".