افتتحت منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” أمس الإثنين، مؤتمرها السنوي في واشنطن، الذي يستمر لمدة يومين، بحضور لافت من ناحية كثافته ومستواه.
فقد تمثلت الإدارة الأميركية، بخمسة من كبار فريق السياسة الخارجية، تحدثوا أمام المؤتمر. كما يشارك الكونغرس بعدد من النواب وأعضاء مجلس الشيوخ، المقرر أن يلقوا كلماتهم في هذه المناسبة، اليوم الثلاثاء.
وبذلك بدا الحدث أشبه بمؤتمر “إيباك” (اللوبي الإسرائيلي)، من حيث كونه تظاهرة تأييد بلا حدود لإسرائيل، مع تحريضها بشكل مبطن للاستمرار في سياسة التوسع والقضم. وقد تبدّى ذلك في امتداح شرعنة الإدارة لاحتلال الجولان، فضلاً عن اعتبارها القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ودعم حفر الأنفاق الاستيطانية مؤخراً في الشق الشرقي من المدينة المحتلة. وكأن هناك تمهيداً لقرار مرتقب بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، لا تبدو إدارة دونالد ترامب بعيدة عن أجوائه، كما ألمح وزير الخارجية مايك بومبيو قبل أسابيع قليلة.
فالخطاب العام الذي ساد اليوم الأول من المؤتمر، والذي شغلت فيه إيران حيزاً هاماً، ينضح بالترويج المبطّن لهذا الضم، الذي لو حصل وحظي بموافقة الإدارة، فسيكون بمثابة هدية انتخابية كبيرة لهذه المنظمة الواسعة بحجمها (نحو 5,5 ملايين عضو) وتأثيرها، والتي تعتبر ركيزة القاعدة الانتخابية الصلبة لترامب.
فالاعتبار الانتخابي انعكس في مستوى المسؤولين الذين شاركوا وتوزعوا الأدوار، من خلال التركيز على إسرائيل وإيران.
نائب الرئيس مايك بنس، تولى أكثر من الآخرين سرد “إنجازات” ترامب في القدس “عاصمة إسرائيل الأبدية” وهضبة الجولان، التي كانت إسرائيل “رهينة لها” بحكم موقعها، بحسب كلامه. كما أفاض في التعبير عن عمق الالتزام والصداقة مع “إخواننا اليهود ودولة إسرئيل”، مع التعهد “بعدم السكوت من أجل الصهيونية”.
كلمة بنس اتسمت بمسحة إيمانية تنسجم مع فكره القريب من هذه المنظمة، كما ترضي جمهور المنظمة المتديّن، الذي يبني علاقته مع الدولة العبرية على أسس إيديولوجية دينية.
من جهته، تولّى المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، في كلمته كالعادة، دور المحامي عن إسرئيل، قائلاً إنّ الالتزام بأمنها لا بد أن يكون “بصلابة الفولاذ”، متعهداً بالرد على “الانتقادات” من موقع القناعة “بأن السلام لا يمكن بناؤه إلا على الحقيقة”. والحقيقة في قاموس إدارة ترامب هي الأمر الواقع على الأرض، بصرف النظر عن ظروف وقوعه. ونوّه غرينبلات بـ”التقارب الخليجي الإسرائيلي المقبل على المزيد”، معتبراً أنّ “إيران هي المشكلة رقم واحد في المنطقة”، وأنّ القضية الفلسطينية ليست سوى “أحد جوانب” الأزمة.
بدوره، عرض مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جون بولتون، الموضوع من زاوية “النموذج الجديد” الذي اعتمده ترامب في السياسة الخارجية، والذي “أحدث تغييرات”، كانت من بينها خطواته في “القدس والجولان والانسحاب من لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة” لتحاملها على إسرائيل، فضلاً عن مآخذه على المحكمة الجنائية الدولية وتحقيقاتها ضد المشاريع السكنية الإسرائيلية (هكذا يسمي المستوطنات).
وانفرد بولتون بالإشارة إلى أنّ “علاقات إسرائيل بالعرب صارت أفضل بعد نقل السفارة إلى القدس”، مستعيناً بتصريح وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد آل خليفة، الذي قال إنّ إسرائيل “دولة من دول المنطقة”.
وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، ختم مشاركة الإدارة بكلمة سلّط فيها الضوء على الخلفية التاريخية للموقف الأميركي من إسرائيل وضرورة “وجود بيت للشعب اليهودي” كما قال، مستعيناً باقتباسات دينية في هذا الخصوص. كما أفاض في الثناء على “الديمقراطية الإسرائيلية التي تكفل حرية المعتقد وممارسة طقوسه لكافة الأديان خلافاً لما يجري في المنطقة”.
طبعاً الكل عرّج على ملف النووي الإيراني، من زاوية الإشادة بانسحاب الرئيس “من الاتفاق الكارثي”، وبعودته إلى العقوبات التي “فعلت فعلها”، مع تحذير طهران من عواقب “الخلط بين ضبط النفس وبين عزم الإدارة”، كما قال بنس.
وكان بولتون الأكثر تشدداً في هذا الموضوع كعادته، وبما يعكس رغباته وسعيه لاعتماد وتنفيذ سياسة صدامية، لا يبدو أنّ البيت الأبيض قريب منها حتى الآن.
كلام سيتكرر مثله اليوم الثلاثاء، على لسان أكثر من سيناتور في مخاطبة المؤتمر، الذي تحول إلى بازار إسرائيلي انتخابي، ومنبر آخر للتباهي بانقلابات “انتظروا المزيد منها لو فاز ترامب بولاية أخرى”، كما قال بولتون.