الاربعاء 13 مارس 2019 07:54 م بتوقيت القدس
من دون حوادث وبمظاهر امتازت بالسلمية والمدنية، تظاهر آلاف الطلاب وسط العاصمة الجزائرية، الثلاثاء، وفي مدن أخرى، رافضين صيغة إعلان الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، العدول عن الترشح، معتبرين ذلك "تمديدًا" لحكمه.
وردّد الطلاب شعارا واحدا "طلبة صامدون للتمديد رافضون"، بينما استبدلت لافتات رفض الولاية الخامسة التي تراجع عنها بوتفليقة، لتحل محلها لافتات كتب عليها رقم "4+" وقد تم شطبه، دلالة على رفض تمديد الولاية الرابعة، كما ظهرت لافتة كبيرة كتب عليها "يجب إنقاذ الشعب وليس النظام".
وفي تظاهرتهم الثالثة لهذا الأسبوع، حمل أغلب الطلاب الأعلام الجزائرية أو توشحوا بها وهم يسيرون عبر شارع ديدوش مراد، وكان عدد منهم يصيح "بركات بركات من نظام العصابات"، وبركات باللهجة الجزائرية تعني "كفى".
وتنقل الطلاب في مسيرات بين ساحتي البريد المركزي ومريس أودان، حيث انتشرت أعداد كبيرة من عناصر الشرطة لكن دون أن تتدخل. وغلب على المتظاهرين هتاف "سلمية، سلمية" أو "أيها الشرطي انزع قبعتك والتحق بنا".
وغص المربع في قلب العاصمة الجزائرية لساعات طويلة بالمتظاهرين قبل أن يتفرق الحشد بهدوء في وقت متأخر بعد الظهر.
وكان الرئيس بوتفليقة، قد أعلن، الإثنين، غداة عودته من رحلة علاج في سويسرا، عن عدوله عن الترشح لولاية خامسة، وفي الوقت نفسه إرجاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في 18 نيسان/ أبريل إلى أجل غير محدد. وبذلك مدَّد بوتفليقة ولايته بحكم الأمر الواقع.
وكتبت صحيفة "الخبر" أن بوتفليقة "سيبقى رئيسا دون انتخابات" وهو بذلك "مدد" ولايته الرئاسية الرابعة، وأضافت "رضخ رئيس الجمهورية لمطلب عدم الترشح (...) لكن بالطريقة التي تضمن له البقاء رئيسا دون انتخابات" و"ترتيب انسحابه من الحكم (...) دون الإشارة إلى السند الدستوري الذي اعتمد عليه".
وعمَّت الجزائر منذ 22 شباط/ فبراير تظاهرات واسعة وحاشدة غير مسبوقة في كل أنحاء البلاد رفضا لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. وعاد بوتفليقة الأحد إلى الجزائر، بعد غياب لمدة أسبوعين في جنيف أجرى خلالهما "فحوصا طبية"، بحسب الرئاسة.
وقال بوتفليقة في خطاب مكتوب للشعب الجزائري، مساء الإثنين، "لن يجري انتخاب رئاسي يوم 18 من أبريل (نيسان) المقبل والغرض هو الاستجابة للطلب الملّح الذي وجهتموه إليّ".
وتابع الرئيس الجزائري في رسالته أن الانتخاب الرئاسي "سينظم عقب الندوة الوطنية الجامعة المستقلة تحت الإشراف الحصري للجنة انتخابية وطنية مستقلة"، كما تعهّد بتسليم "مهام رئيس الجمهورية وصلاحياته للرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب الجزائري بكل حرية".
وتشكل تظاهرة الطلاب، الثلاثاء، مقياسا أوليا لمدى رفض أو قبول الشارع الجزائري لقرارات بوتفليقة الذي يواجه أكبر موجة احتجاج منذ وصوله إلى الحكم في 1999.
وشهدت ولايات أخرى تظاهرات طلابية بمشاركة الأساتذة وتجمعات في الكليات، كما في قسنطينة، حيث تظاهر نحو ألف طالب، بحسب صحافي محلي أو في بجاية حيث كانوا عدة آلاف.
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، تم نشر مقاطع فيديو لمسيرات طلابية في تيزي وزو والبويرة المتجاورتين بمنطقة القبائل.
وفي وقت لاحق، شددت واشنطن على حق الجزائريين بأن تكون لهم انتخابات "حرة ونزيهة"، وأكدت دعمها عملية سياسية "تحترم تطلعات الجزائريين".
وردا على سؤال حول الوضع في الجزائر، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو، "نراقب عن كثب المعلومات حول إرجاء الانتخابات".
وأضاف "ندعم الجهود في الجزائر لوضع عملية جديدة على أساس حوار يحترم إرادة جميع الجزائريين وتطلعاتهم لمستقبل سلمي ومزدهر، نحن نؤيد حق الجزائريين في التظاهر والتعبير عن آرائهم بسلام"، وكذلك "انتخابات حرة ونزيهة".
حشد "لجمعة الرحيل"
وبدأ التحضير لتظاهرة كبرى الجمعة 15 آذار/ مارس، بنفس حجم تظاهرات 22 شباط/ فبراير والأول والثامن من آذار/ مارس، وذلك عبر نداءات تصدر من مواقع التواصل الاجتماعي مصحوبة بوسم #جمعة_الرحيل.
وستجيب تظاهرة الجمعة على سؤال صحيفة الخبر، الثلاثاء، " كيف سيتفاعل معه الشارع الجزائري الذي دعا إلى رحيله من الحكم؟".
ومنذ الإعلانات التي جاءت في خطاب بوتفليقة الذي ظهر على التلفزيون الحكومي لأول مرة منذ بداية الاحتجاجات وعودته من سويسرا، اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات.
وظهر وسم (هاشتاغ) جديد على عدة صفحات: "لا للتحايل على الشعب، موعدنا الجمعة" تحضيرا لتظاهرة 15 آذار/ مارس.
وبدا الطلاب المشاركون في تظاهرات الثلاثاء، رافضين تماما لما جاء به الرئيس معتبرين الامر بمثابة "تمديد لحكمه".
وإضافة إلى قراره العدول عن الترشح وتأجيل الانتخابات، عين بوتفليقة وزير الداخلية، نور الدين بدوي، رئيسا للوزراء، خلفا لأحمد أويحيى المستقيل. كما تم تعيين رمطان لعمامرة نائبا لرئيس الوزراء، ولم يعين أحد في هذا المنصب منذ 2012. وسيتولى لعمامرة، وهو دبلوماسي مخضرم يحظى باحترام في الخارج، أيضا منصب وزير الخارجية.
وكما كان منتظرا، رحب الحزبان الحاكمان، "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديموقراطي"، بانسحاب بوتفليقة واعتبراه "استجابة لطموحات الشعب الجزائري"، في حين رفضته المعارضة.
واعتبرت حركة مجتمع السلم، أكبر حزب إسلامي معارض، أن ما أعلنه بوتفليقة "لا يرقى إلى طموحات الشعب الجزائري الذي خرج بالملايين (...) يطالب بتغيير فعلي".
وأكد الحزب أنه يبقى "منفتحا لأي مبادرة أخرى تحقق التحول السياسي السلس والآمن والخادم للمصلحة العامة وليس لمصلحة العصب الحاكمة".
ومن جهته، رفض رئيس حزب طلائع الحريات، علي بن فليس، في تصريح مكتوب، "التمديد للرابعة بدون ترخيص أو إذن أو موافقة من الشعب"، وأوضح أن "القوى غير الدستورية تقرر تمديد العهدة الرابعة لرئيس غائب عن صنع القرار والاستيلاء على صلاحياته".
"يا فرنسا أخرجنا الاستعمار وحدنا وهزمنا الإرهاب وحدنا وسنهزم النظام وحدنا"
وعلى المستوى الدولي، أشاد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الثلاثاء، من جيبوتي، بقرار بوتفليقة عدم الترشح لولاية خامسة، داعيا إلى "مرحلة انتقالية بمهلة معقولة".
ولم يتقبل المتظاهرون تعليق المسؤولين الفرنسيين ورفعوا لافتات كُتب عليها "يا فرنسا أخرجنا الاستعمار وحدنا وهزمنا الإرهاب وحدنا وسنهزم النظام وحدنا".