الثلاثاء 05 فبراير 2019 15:30 م بتوقيت القدس
حذر ضابطان سابقان في الجيش الإسرائيلي من أن استمرار الوضع الحالي في الساحة الفلسطينية سيقود إلى انهيار السلطة الفلسطينية، وغياب حل الدولتين بالكامل، خاصة على ضوء استطلاعات الرأي التي تظهر تزايد تأييد الفلسطينيين لحل الدولة الواحدة، فيما ستضطر إسرائيل إلى التعامل مع الفلسطينيين مباشرة، ما سيشكل خطرا كبيرا على الأمن القومي الإسرائيلي، ودعيا إلى استئناف المفوضات مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، بأسرع ما يمكن، في محاولة لإنقاذ الوضع الحالي.
وأشار الضابطان، وهما رئيس "المعهد للسياسة والإستراتيجية" في المركز المتعدد المجالات في هرتسيليا، اللواء في الاحتياط عاموس غلعاد، وهو "منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية" السابق في الضفة الغربية وقطاع غزة، والباحث الكبير في المعهد نفسه، العميد في الاحتياط أودي أفينطال، في مقال في صحيفة "هآرتس" اليوم، الثلاثاء، إلى أنه "لا توجد لدى إسرائيل إستراتيجية متعددة الأبعاد حيال الصراع الجوهري مع الفلسطينيين ومواجهة الواقع الناشئ، وسياستها مبنية على الفعل بالأساس". واعتبرا أن السياسة الإسرائيلية "تنظر إلى الأمد القصير وتركز على جانب مركزي واحد، وهو هام بحد ذاته، ويتمثل بمنع الإرهاب والحفاظ على الهدوء".
وبحسب الضابطين، فإن "التحدي المركزي الذي قد ينشأ في السنوات القريبة هو انهيار، أو تفكك تدريجي، للسلطة الفلسطينية، إذ أن وجودها هش أكثر مما يمكن التخيل. والفكرة التي تأسست على أساسها السلطة، ومن دونها لا حق لها بالوجود، وهي تحقيق التطلعات الوطنية الفلسطينية بواسطة مفاوضات وتسوية سياسية مع إسرائيل، أخذت تضعف مقابل طريق المقاومة، التي تتبعها حماس. وينعكس هذا الاتجاه جيدا في الاستطلاعات، التي تظهر تراجعا حادا في ثقة الجمهور الفلسطيني بحل الدولتين".
ولفت الضابطان إلى أن المواجهات في غزة والعمليات في الضفة الغربية ترفع شعبية حماس والبديل الذي تطرحه. وفي المقابل، "تفقد أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، التي تعمل من أجل احتواء المواجهات وتحافظ على تنسيق أمني بالغ القيمة مع قواتنا، شرعيتها وتعتبر متعاونة (مع الاحتلال). كما أن الدعم السياسي الداخل، البالغ الأهمية لعمل الأجهزة، ليس مضمونا في نهاية عهد أبو مازن. ومن شأن رحيله أن يفتح حرب مدمرة على خلافته وتسريع تحولات متطرفة في القيادة الفلسطينية". يضاف إلى ذلك الضائقة الاقتصادية الكبيرة المزمنة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية، بسبب تقلص التمويل الأجنبي وتوجيه الولايات المتحدة ضربة اقتصادية إلى أونروا.
وشددا على أن "سيناريو أفول السلطة ليس نظريا وقد يتحقق. وذلك في ظل غياب أفق سياسي، وأساس شرعي متقلص، وانعدام يقين اقتصادي، وضغوط سياسية متصاعدة ويأس... سيناريو كهذا يضع تهديدا إستراتيجيا خطيرا ومتعدد الأبعاد على إسرائيل"، لأن المسؤولية عن السكان الفلسطينيين في الضفة ستنتقل إلى إسرائيل "من دون أن تكون بيدها أجهزة ونظم بيروقراطية ملائمة، أو مصادر لميزانيات هائلة ستكون مطلوبة، تقدر بعشرات مليارات الشواقل في السنة".
كذلك يتوقع تصاعد التوتر الأمني بين جيش الاحتلال والفلسطينيين، الأمر الذي سيستدعي إسرائيل إلى زج مزيد من القوات إلى الضفة على حساب "تحديات" في جبهات أخرى. وستتصاعد الضغوط على إسرائيل، "وتتآكل شرعيتها ويلحق ضررا بالغا بمكانتها. وعلى هذه الخلفية، سيتزايد ميل المحكمة الجنائية الدولية في النظر في عمليات إسرائيل في المناطق، وبذلك سيتعرض الجنود الإسرائيليون إلى أوامر اعتقال وإجراءات قضائية خارج البلاد".
وتابع الضابطان أن "تفكك السلطة وتوسيع السيطرة الإسرائيلية إلى درجة الضم الفعلي، سيؤدي إلى اختفاء فكرة الدولتين وتعزيز فكرة الدولة الواحدة، التي باتت مهيمنة في الحلبة الفلسطينية. ومن شأن معظم الجمهور الفلسطيني، الذي يريد الامتناع عن مس بالغ بجودة حياته، أن يفضل المطالبة بالمساواة في الحقوق المدنية، وبين أسباب ذلك توقع نضوج تطورات ديمغرافية في العقود القريبة، تقلص الأغلبية اليهودية بين النهر والبحر".
إزاء صورة الوضع هذه، دعا الضابطان إسرائيل إلى العمل "بموجب إستراتيجية طويلة الأمد من أجل أن ترجئ، منذ الآن، تشكل التهديدات الخطيرة في الأفق ومنع أخطاء لن يكون بالإمكان تصحيحها في المستقبل".
لكن على الرغم من ذلك، فإن الضابطين لم يبتعدا عن الرؤية الأمنية التي قادت إلى هذا الوضع، واعتبرت أنه "إلى جانب الحفاظ على وجود الجيش الإسرائيلي في الضفة من أجل إحباط الإرهاب ومنع سيطرة حماس على الضفة، وهذا شرط ضروري لأي خطوة إيجابية، على إسرائيل تعزيز السلطة الفلسطينية بأية طريقة، وتشجيع اقتصادها، على الأقل البنية التحتية ومؤسساتها وتنظيفها من الفساد. ومن الجهة الأخرى، يجب لجم خطوات تضعف السلطة، مثل التشريعات في الكونغرس الأميركي، وخصم أموال من مخصصات الضرائب واتهامها بالمسؤولية عن الإرهاب، وذلك في الوقت الذي تحبط فيه أجهزتها الأمنية الإرهاب".
وختم الضابطان مقالهما بأن "المطلوب هو إطلاق مبادرة واسعة وتجنيد الحلبة الدولية من أجل تحسين الظروف في غزة، بحيث تخضع للاحتياجات الأمنية (الإسرائيلية)، وذلك من أجل التمكين من التركيز على تحيات الشمال وإيران".
واللافت أن هذين الضابطين، لم يطرحا شيئا في مقالهما سوى إنقاذ السلطة الفلسطينية من انهيار محتمل، من خلال دعمها لتؤدي دورا أمنيا في خدمة الاحتلال الإسرائيلي، ما يعني استمرار السياسة الإسرائيلية الفاشلة نفسها، التي ستقود إلى انفجار في وجهها هي، وإن تأخر ذلك لسنوات قليلة مقبلة.