السبت 15 ديسمبر 2018 20:05 م بتوقيت القدس
كابوسان يحومان في الشرق الأوسط ويهدّدان بالتحول إلى واقع مدمّر، يطال الأول السعودية، أما الثاني، فيطال مصر.
وتواجه الدولتان احتمال انهيار كل منهما، ما قد يسفر إلى مزيج من التدخل الأجنبي والتناقضات الداخلية، والأهم من ذلك، سياسيات حكومتيهما العمياء. ورغم استفادتهما من "قاعدة غولدمان ساكس"، أي أنهما تُعتبران أكبر من أن تفشلا، إلا أنه لا يُمكن التغاضي عن خطورة انفجارهما، ما من شأنه أن يؤدي إلى عواقب مهولة لا يُمكن تخيل حجمها، قد تزعزع الاستقرار السائد في المنطقة برمتها.
تحافظ مصر على أهميتها بسبب عدد سكانها المهول، المصحوب بأهميتها الدينية والثقافية في المنطقة، لتستمرّ في بقائها القلب النابض في العالم العربي. ويتعزز موقعها الإستراتيجي من خلال قناة السويس، التي تُعتبر بمثابة مركز بالغ الأهمية للتجارة البحرية بين آسيا وأوروبا، بالإضافة إلى كونها ضامنًا نسبيا للسلام مع إسرائيل بعد عدّة حروب مع العالم العربي.
فيما تتميز السعودية بأنها من أكبر منتجي ومالكي الاحتياطات النفطية في العالم، فضلا عن كونها الدولة الأكثر أهمية من حيث القدرة الاحتياطية، وهو أمر حاسم في إدارة الاضطرابات في أسواق الطاقة. وتمثل شريان حياة ماليا لدول كثيرة في المنطقة وخارجها، وتحافظ على وصايتها على أقدس مدينتين في الإسلام، مكة والمدينة.
القمع الوحشي
تراقب الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، بالإضافة إلى إسرائيل، أوضاع مصر والسعودية عن كثب. فتواجه مصر خطر حريقين في الخارج والداخل، الأول على حدودها المباشرة، المتمثل بالفوضى المتفشية لدى جارتها ليبيا وأوضاع غزّة المحاصرة؛ والثاني داخل مصر، وهي الحملة العسكرية ضد "الإرهاب" في شبه جزيرة سيناء. لكن خطر حريق آخر قد يخلق من الرماد، من القمع الوحشي لحركة "الإخوان المسلمين" والقوى المعارضة الأخرى.
كانت مصر قبل بضعة سنوات، أكبر مصدر للقلق في المنطقة، خصوصا بعد التجربة الصادمة لحُكم "الإخوان المسلمين" في فترة الرئيس السابق، محمد مرسي، الوجيزة. وانتقل الاهتمام، مؤخرا، إلى السعودية بسبب حربها على اليمن، والنزاع على السلطة المُتعلق بالعائلة الحاكمة، والقرارات المتهورة التي تتخذها القيادة السعودية، التي دفعت المراقبين إلى التشكيك باستقرار الدولة.
وقد يؤدي الانهيار الاقتصادي والسياسي المحتمل في السعودية (بسبب أزمة الاستثمار في الداخل)، إلى توليد أوضاع أسوأ بكثير مما أنتجته ليبيا بعد عام 2011.
وسافر ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الآونة الأخيرة، في رحلات دولية للسيطرة على الأضرار، إلى بعض العواصم العربية والدولية، والتي شملت التقاط صور غريبة (كالسلام الحار بين بن سلمان والرئيس الروسي، فلاديمير بوتين)، وتبادل الأحاديث المباشرة (كانتقاد الرئيس الفرنسي لبن سلمان في لقائهما المباشر) في قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس. وقد ألمح غيابه المطول عن السعودية إلى الانطباع بالثقة والسيطرة المستمرة على السلطة.
ومع ذلك، فقد نتجت العديد من المشاكل التي تواجه الرياض والقاهرة، في جزء كبير منها، بسبب أخطاء ذاتية فادحة. أدى حُكم "الإخوان المسلمين" في مصر، الذي استمر لأقل من عام حتى انقلاب عام 2013، إلى اندلاع احتجاجات شعبية واسعة، أدت فجأة إلى نهايته؛ وبالتالي، هل كان من الضروري حقا لنظام عبد الفتاح السيسي، أن يطُلق موجة من القمع الوحشي الذي لم تفلت منها القوى السياسية العلمانية حتى؟
سابقة خطيرة
بصرف النظر عن أخطاء حكومة مرسي وحماقاتها، فإنه من السخُف تحميلها مسؤولية الحُكم الكارثي الذي عانت مصر منه لعقود طويلة. وشكل انقلاب عام 2013، سابقة خطيرة، قد يستخلص منها "الإخوان المسلمون"، دروسا مهمة ومقلقة للمستقبل.
ففي عام 2012، وصل "الإخوان المسلمون" إلى السلطة بطريقة قانونية عبر إجراء انتخابات أعقبت الثورة الشعبية في العام الذي سبقها. وتنافست في الساحة السياسية وفازت بإجراء ديمقراطي. أما في المرة المُقبلة، إن كان الافتراض ممكنا، قد يتصرف "الإخوان المسلمون" بشكل مختلف، وقد يطمحون لحماية قوتهم بشكل استبدادي، أو ما هو أسوأ من ذلك، أن يتخلوا عن العملية الديمقراطية ويستولوا على السلطة بالعنف.
وبشكل مشابه، لم يُكن هناك أي مُبرر لبن سلمان، لزج بلاده في صراع اليمن المعقد على نمط التدخل الأميركي في أفغانستان، والذي لا يبدو أنه يشير إلى نهاية في الأفق. وأصبح عدد الضحايا الكبير في اليمن، مصدر قلق لداعمي السعودية التقليديين، رغم أن ذلك لم يكن ليبرز للأسف، دون قضية قتل الصحافي، جمال خاشقجي.
ولو اختار بن سلمان، التركيز على الإصلاحات الداخلية التي تصورها، والتي ولّدت في البداية حماسا واسعا في السعودية وخارجها، لكان من المحتمل أن يُحافظ على سلطته بشكل أكبر.
لقد كانت عوامل داخلية، التي حددت تمرد الحوثيين في اليمن، لا خارجية. ولو مُنحوا بعض الحقوق التي حُرموا منها لعقود طويلة، فعلى الأرجح، كان ذك سيردع الصراع الدموي والأزمة الإنسانية المتفشية في البلاد.
لم تكن الحرب اليمنية مخططا إيرانيا، لكنها هديّة غير متوقعة قُدمت لقيادة طهران على طبق من ذهب. وتصعيد الرياض الأحمق عام 2015، أعطى إيران فرضة إضافية لإحداث فوضى في بطن شبه الجزيرة العربية.
وتنطبق اعتبارات مماثلة على عدم جدوى خطوات أخرى اتخذتها السعودية، كالحصار الذي تفرضه على قطر واحتجاز المئات من رجال الأعمال والأسرة المالكة العام الماضي (في قضايا الفساد).
وقفة تأملية
يبدو أن تهدئة التوترات في منطقة الشرق الأوسط، وتغيير عقلية قيادات المنطقة، الذين يتمحور منطقهم أنهم يربحون فقط عندما يخسر الطرف الآخر، أصبح ملحا للغاية.
ولسوء الحظ يبدو أن المسار الذي يسلكه اللاعبون الخارجيون والداخليون في المنطقة، يميل إلى التراجع أكثر من ضبط النفس. ونأمل أن يُدرك بن سلمان والسيسي، أن إطار تفكيرهم الضيق (المُقولَب)، يأتي بنتائج عكسية.
وعلى نفس النسق، ستستفيد إيران، أيضًا، من "وقفة تأملية"، فقد يكون بحثها عن الفوز في كل معركة، غير حكيم. فالدولة وقياداتها، تخاطران بتمتعهما بثقة مُفرطة.
في السنوات الأخيرة، ألحقت الأزمات في دول مثل سورية وليبيا أضرارًا بالغة في المنطقة، لم تنجُ منها حتى أوروبا، حيث يثير وجود الملايين من اللاجئين "ثورة شعبوية" تهز القارة.
إذا عانت ليبيا وسورية، وكانت هذه العواقب المُدمرة، من التشرذم الذي تطور إلى حرب أهلية شاملة، فالذي سيتمخض عن انهيار مصر أو السعودية، هو شيء لا يُمكن تصوره حتى.