الجمعة 14 ديسمبر 2018 16:49 م بتوقيت القدس
أثار اعتقال وينج وانتشو، المديرة المالية لشركة هواوي الصينية للهواتف المحمولة وابنة مؤسسة الشركة، رن تشنغ، ضجة عالمية وعززت الخلافات بين الصين والولايات المتحدة، التي طلبت تنفيذ هذا الاعتقال أثناء تواجد وانتشو في كندا. فمبيعات هواوي تجاوزت مبيعات أبل، ولا تتقدم عليها سوى سامسونغ. وبلغت مبيعات هواوي 86 مليار دولار في العام 2017، وهي تشغل قرابة 200 ألف عامل في حوالي 170 دولة.
ورجح محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، اليوم الجمعة، أن هناك ثلاثة أسباب لاعتقال وانتشو، وأولها خرق نظام العقوبات الأميركي على إيران. وكانت منظمة "موحدون ضد إيران نووية" (UANI)، التي تضم مسؤولين أمنيين أميركيين وأوروبيين وإسرائيليين سابقين، قالت في وثيقة أصدرتها في وقت سابق من الأسبوع الحالي إن هواوي أقامت علاقات تجارية مع إيران، منذ العام 1999، وتزودها بمنومات اتصالات وعتاد وخدمات استشارية لشركات الاتصالات والصناعات الأمنية، وبينها شركات تابعة لحرس الثورة، التي بُنيت العقوبات الأميركية عليها. وكانت هواوي أعلنت في العام 2015 أن السوق الإيرانية هي أكبر زبون لها خارج الصين.
ونقل ميلمان عن مصدر مطلع على التحقيق ضد وانتشو، قوله إن هواوي أخفت علاقاتها مع شركة "سكايكوم"، التي تبين لاحقا أنها تابعة لها، والتي حاولت شراء حواسيب من الولايات المتحدة بالاحتيال وتهريبها إلى إيران. ولا يسعى قادة UANI إلى ممارسة ضغوط على هواوي فقط وإنما محاولة إقناع شركات أميركية بإعادة النظر في علاقاتها التجارية مع الشركة الصينية العملاقة.
وكتب ميلمان أن "اعتقال مينج هي أخبار سيئة للاقتصاد العالمي ولكنها أخبار سارة بالنسبة لإسرائيل ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، في جهوده لتجنيد المجتمع الدولي من أجل الانضمام إلى إدارة ترامب بما يتعلق بالعقوبات ضد إيران".
والسبب الثاني لاعتقال وانتشو خفيّ ولا يعترف به أحد، حسب ميلمان، وهو أن الاعتقال يلحق ضررا كبيرا بمكانة هواوي وباستقرارها الاقتصادي، التي سوية مع سامسونغ تضعان تحديا أمام أبل وتمس بأرباحها. وهذا الضرر بهواوي يخدم أبل والاقتصاد الأميركي وخطة ترامب لتقييد الاستيراد من الصين وإنشاء أماكن عمل جديدة في الولايات المتحدة.
والسبب الثالث يتعلق بتكهنات مفادها أن هواوي أو شركات تابعة لها تتعاون مع الاستخبارات الصينية. وبحسب الشبهات، فإن هذه الشركات تسمح بأن تُغرس في منتجاتها رقائق وبرامج إلكترونية، تسمح للاستخبارات الصينية بالتجسس وجمع معلومات من جميع أنحاء العالم. وعلى هذه الخلفية، تمنع الحكومة الهندية شركات محلية تعمل مع الجيش والاستخبارات من شراء منتجات هواوي. كذلك تحاذر دول غربية، مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكذلك اليابان، من التجسس الصيني العسكري وعلى الصناعات التكنولوجية.
هواوي وإسرائيل
أشار ميلمان إلى أن الاستخبارات الإسرائيلية حذرة جدا من جهود التجسس الصينية، إذ أن للصين حضور واسع في إسرائيل. ودفع ذلك أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية إلى الامتناع عن شراء منتجات هواوي، وحتى منع دخول هذه الأجهزة إلى منشآت حساسة، وخاصة منشآت سرية.
وأضاف ميلمان أنه يوجد في جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) وباقي أجهزة الاستخبارات والأمن تخوف كبير من التوغل الصيني إلى إسرائيل، من خلال شركات. وتمنع وزارة الأمن الإسرائيلية شركات صينية في الدخول إلى مناقصات الوزارة. كما أن وزارة المالية الإسرائيلية منعت شركات صينية من شراء شركتي التأمين "هفينيكس" و"كْلال".
وتحدثت تقارير إعلامية في الماضي عن أن الاستخبارات الصينية نجحت بأن تخترق بشكل مباشر، أو غير مباشر بواسطة محطات مرحلية، الصناعات الجوية العسكرية الإسرائيلية و"سلطة تطوير الأسلحة" (رفائيل) وشركات أمنية أخرى، ويرجح أن الاستخبارات الصينية تمكنت من سرقة معلومات سرية بالغة الأهمية تتعلق بتطوير الأسلحة ومنظومات جديدة ومتقدمة. "كما تم الكشف عن محاولات للتغلغل الصيني إلى أماكن أخرى بالغة الحساسية" في إسرائيل.
وأضاف ميلمان أنه تسود في أجهزة الاستخبارات والأمن الإسرائيلية قلق من الوجود الاقتصادي الصيني في إسرائيل وخاصة في البنية التحتية الإستراتيجية. فقد حفرت شركات صينية نفق الكرمل في حيفا، وتحفر الآن أنفاق القطار في تل أبيب، وتبني الميناء الجديد في أشدود. وتوجد لشركات صينية امتياز بتفعيل الخطوط الجوية البلدية في تل أبيب، ولديها امتياز تفعيل ميناء خاص في حيفا. وهناك مداولات حول مد شركات صينية لسكة الحديد إلى مدينة إيلات بتكلفات عشرات ملايين الشواقل.
وتسعى الصين إلى الدخول والسيطرة على سوق الأغذية في إسرائيل. فقد اشترت شركة صينية شركة الألبان "تنوفا". وقال تقرير نُشر العام الماضي، إن وزارة الزراعة الإسرائيلية تخطط لتأجير شركات صينية مساحة مليون دونم في النقب ومنطقة البحر الميت لمدى 40 سنة. ويستخدم قسم من هذه المساحات حاليا لزراعة الحنطة، مقابل بناء الصين منشأتين لتحلية المياه في إسرائيل.
وبحسب ميلمان، فإن الوعي في إسرائيل لمخاطر التوغل الصيني وتأثيره على الأمن القومي ما زال متدنٍ، قياسا بالدول الغربية. ولم تضع إسرائيل سياسة واضحة حيال ذلك حتى اليوم، بحيث أن كل وزارة تنفذ سياسة تقرها بنفسها في هذا الصدد. "وزارة المواصلات تريد دخول شركات صينية كي تستثمر في الاقتصاد الإسرائيلي، بينما وزارتي الأمن والمالية تمنع ذلك".
وتابع ميلمان أن الشاباك بادر إلى طرح مشروع قانون، تبحث فيه وزارة القضاء حاليا، وأجرى المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) نقاشا حوله مؤخرا. "والمعضلة هي كيف بالإمكان صياغة قانون موجه بالأساس ضد التغلغل الصيني المتزايد، من دون أن يقال فيه ذلك بشكل واضح ومن دون إثارة غضب الصين. والتخوف الإسرائيلي هو من إغلاق الصين أسواقها أما إسرائيل". والحل لإسرائيلي لذلك هو سن قوانين تمنع شركات أجنبية من السيطرة الكاملة على كنوز إستراتيجية وحيوية، مثل الماء والكهرباء والموانئ والمطارات والبنوك وشركات التأمين والمواصلات العامة، من دون ذلك اسم الصين.