الثلاثاء 29 مايو 2018 04:13 م بتوقيت القدس
نشر موقع “تايمز أوف إسرائيل” تقريرا للكاتب آرون بوكسرمان، يقول فيه إن الصحافة الموالية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تقدم صورة وردية عن العلاقات مع إسرائيل، مستدركا بأن الكثير من المواطنين السعوديين يستخدمون “تويتر” للتعبير عن مواقفهم المعارضة.
ويشير التقرير، في بدايته إلى عنوان ورد قبل فترة في الصحيفة السعودية “الشرق الأوسط”، وسأل فيه القراء: “هل تقفون مع إيران أو إسرائيل؟”، حيث كان كاتب العمود هو عبد الرحمن الراشد، رئيس تحرير الشرق الأوسط السابق، التي يقول الكاتب إنها واحدة من “أهم الصحف في العالم العربي”، ويعترف الراشد بأن هذا سؤال “محرج”، ويناقض “أسس ثقافتنا السياسية”، إلا أنه يعتقد أن إعادة النظر في العلاقات مع الدولة اليهودية هي الطريقة الأفضل للتقدم للأمام.
ويعلق بوكسرمان قائلا إن “النقاش حول العلاقات بين السعودية وإسرائيل، الذي برز للعلن، أدى إلى نقاش حاد حول التطبيع مع الدولة اليهودية، واستخدم المتناقشون كل شيء، من المقالات إلى التغريدات ولقطات الفيديو التي تنتشر بسرعة”.
ويقول الموقع إن “العلاقات بين إسرائيل والعائلات الملكية المحافظة في الخليج كانت من أسوأ الأسرار التي تم الحفاظ عليها، إلا أن الحكومات على جانبي البحر الأحمر بدأت في الأشهر الأخيرة بإصدار إشارات متزايدة عن التضامن، من خلال الحملات الدبلوماسية في مصر، إلى التغريدات التي تدعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”.
وينقل التقرير عن المراقب للشأن السعودي في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى سايمون هندرسون، قوله إن المخاوف المشتركة من إيران، وبروز إصلاحي في السعودية، والرغبة من النخبة في تجاوز الموضوع الفلسطيني، كلها عوامل أدت إلى عهد جديد في العلاقات، مشيرا إلى أنه يعني بالإصلاحي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، الذي كان وراء هذا الغزل الدبلوماسي كله، ويضيف هندرسون: “يتعامل ابن سلمان (أم بي أس) مع القضية الفلسطينية على أنها موضوع يجب حله، لكنه يجب ألا يعرقل العلاقة مع إسرائيل”.
ويلفت الكاتب لما قاله ابن سلمان لمجلة “ذا أتلانتك”، حيث أكد حق إسرائيل في الوجود، وأخبر الصحافي جيفري غولدبيرغ بأن الإسرائيليين”لهم الحق بأن يكون لهم وطن”.
ويعلق الموقع قائلة إن “تصريحات الأمير السعودي ربما أدهشت المراقبين الدوليين، لكنها لم تلق اهتماما من الإعلام السعودي، وباستثناء موقع (الخليج الجديد)، الذي تدعمه قطر، فلم تتطرق أي صحيفة أو وسيلة إعلامية سعودية للتصريحات عن إسرائيل”.
ويفيد التقرير بأنه عندما نشرت الصحف السعودية ترجمات للمقابلة، فإن اهتمامها كان مختلفا عن اهتمامات المراقبين الإسرائيليين، فصحيفة “عكاظ” اختارت عنوان “محمد بن سلمان: إيران والإخوان والإرهابيون هم مثلث الشر”، أما صحيفة الرياض، التي تركز على الشؤون الاقتصادية وتقرأها النخبة السعودية، فكان عنوانها: “لا يوجد هناك شيء اسمه الوهابية”.
ويبين بوكسرمان أن الصياغة الخبرية التي وردت في الصحف السعودية بما يتعلق بحق إسرائيل في الوجود، تترك مجالا للتفسير، فصحيفة “عكاظ” عنونت بـ”الإسرائيليون والفلسطينيون لهم الحق في وطنهم الخاص”، أما “الرياض” فاختارت كلمة “أرض” بدلا من وطن، التي قد تعني حيازة الأراضي لا الوطن القومي.
ويجد الموقع أنه مهما يكن فإن المراقبين الأجانب ليسوا وحدهم من يشعر بتغير في المشهد الإعلامي السعودي، حيث اتهم محمد الجوهري، الذي يكتب في “الخليج الجديد”، “الذراع الإعلامي” لابن سلمان، بوضع الأسس للتطبيع مع إسرائيل، وحذر من ظهور “عقال” مزخرف بنجمة داوود، وقال: “تم تجنيد كتيبة كاملة من الكتاب السعوديين لهذه المهمة، وهي تصفية القضية الفلسطينية، والتطبيع مع إسرائيل”.
وينوه التقرير إلى أن “السعودية لديها مشهد إعلامي معقد، تسيطر فيه الحكومة على ما يكتب فيه، ومن أهم الوسائل الناطقة باسمها هي وكالة الأنباء السعودية، و(عرب نيوز) وقناة (العربية)، وهناك صحف نخبوية، مثل (الشرق الأوسط) و(الحياة) المملوكة بشكل خاص، وتؤثر عليها الحكومة دون أن تكون لعبة في يدها، فيما هناك صحف شعبية، مثل (عكاظ)، المنتشرة بشكل واسع، ومملوكة بشكل مستقل، وتوصف الصحيفة بأنها (أقرب شيء تملكه المملكة إلى صحيفة نيويورك بوست)”.
ويورد الكاتب نقلا عن هندرسون، قوله إن الصحافة السعودية “تؤثر عليها الحكومة، فـ(عرب نيوز) مثلا تعكس حملة العلاقات العامة لمحمد بن سلمان، التي تعكس الإيجابيات طوال الوقت، ومع ذلك لا توجد أخبار سلبية عن إسرائيل”، ويضيف هندرسون أن محمد بن سلمان يريد من الإعلام غزل الأخبار، وتقديم العلاقة مع إسرائيل على أنها إيجابية، ورغم الرغبة في إقامة علاقات اقتصادية وثقافية مع إسرائيل، إلا أن النزاع الإسرائيلي الفلسطيني يظل عقبة.
ويذكر الموقع أن الصحافة التي تتحكم بها الحكومة تلتزم بالخط ذاته عندما تتطرق للنزاع، فالقصص والتقارير عن النزاع تحمل الخطاب ذاته، من ناحية أن الجولان محتلة، وأن القدس هي من أهم قضايانا، وأن الذين يقتلون هم شهداء، مشيرة إلى أن “العربية” تقوم أحيانا بتغطيات ناقدة لإسرائيل، مثل اللقطات التي بثتها في شباط/ فبراير عن الصحافية جنى جهاد وابنة عم الناشطة عهد التميمي.
وبحسب التقرير، فإن هندرسون يعتقد أن التغطية تتغير، ويقول إن الإعلام السعودي، مثل وكالة الأنباء السعودية و”عرب نيوز”، ربما لم يلتزم بالخط الرسمي، لكنه يحاول أن يقدم رؤية إيجابية، خاصة عند تغطية الأحداث الأخيرة في غزة، ويضيف: “أشعر أنهم يتألمون لما يعانون منه.. انطباعي هو أنهم يغطون الأخبار تعبيرا عن الحزن لا الغضب”.
ويذهب بوكسرمان إلى أن حذف بعض الأشياء يشير إلى استراتيجية الحكومة السعودية لحرف مسار الرأي العام عن نقد إسرائيل، فالصحافي اللبناني نديم قطيش، الذي تنشر “العربية” فيديوهاته وتعليقاته، وهو من المعادين لحزب الله، وأصبح بسبب هذا الأمر مشهورا بين السعوديين، حيث تحظى مقاطع الفيديو الخاصة به بمئات الآلاف من المشاهدات، إلا أن فيديو قطيش الأخير، الذي أطلق عليه “مجزرة”، كان غائبا عن أرشيف “العربية”.
ويبين الموقع أن هناك عددا متزايدا من المثقفين السعوديين، وكثير منهم داعم متحمس لابن سلمان، بدأوا بالمطالبة العلنية للتطبيع مع إسرائيل، حيث ينشر الكثيرون مقالاتهم الداعية للتطبيع في الصحف ذاتها التي تتميز بنبرة قاسية وناقدة لإسرائيل، فكتب الصحافي في صحيفة “الجزيرة” حمزة بن سليم، قائلا: “لو كان هناك سلام فإن إسرائيل ستصبح مقصد السياحة الأول للسعوديين”.
ويشير التقرير إلى أن معظم الصحافيين الذين يدعمون التطبيع في مقالاتهم أو تغريداتهم يتحدثون عن “شناعة” حركة حماس، وقد تحدث ابن سلمان في مقابلته مع “ذا أتلانتك” عن “مثلث الشر”، الذي ضم إيران والإرهابيين والإخوان أيضا، حيث يعتقد بعض المعلقين السعوديين أن حركة حماس، التي تلقت دعما من إيران، والتي كانت حتى وقت قريب فرعا من الإخوان، عدوا طبيعيا للمشروع الليبرالي السعودي.
وينقل الكاتب عن المدون منصور الخميس، قوله في تغريدة: “تلعب إيران لعبة خبيثة في غزة مع حركة حماس، التي تقوم بالتعبئة لخلق الفوضى”، وقال الخميس إنه يجب تسمية “مسيرة العودة الكبرى” بـ “مسيرة المولوتوف”.
ويلفت الموقع إلى أن هناك من السعوديين الداعين للتطبيع من يذكر بدعم السعودية للقضية الفلسطينية، حيث كتب تركي الحمد: “ربما اعتقد البعض أنني ضد كفاح الفلسطينيين، وهذا غير صحيح”، وأضاف: “عانينا من أجل فلسطين منذ عام 1948، فقد توقفت التنمية بسبب فلسطين، وقمعت الحرية بسبب فلسطين، ولو ظهرت دولة فلسطين يوما ما فستكون كأي دولة عربية متخلفة أخرى، كفى”.
وينوه التقرير إلى أن الصحافي في “عكاظ” هاني الزهيري، ردد المشاعر ذاتها، فنشر في 5 أيار/ مايو مقال رأي، أكد فيه ما يمكن أن تحققه السعودية من علاقات مفتوحة مع إسرائيل، مشيرا إلى أن السعودية ليست وحدها التي تطبع، وكتب: “لم يدعم أحد القضية الفلسطينية، ماليا وسياسيا، أكثر من السعودية، ودون شكر أو امتنان من أحد.. في الوقت الذي تقوم به دول عربية ومسلمة بتقييم علاقاتها مع إسرائيل، ومنذ سنوات، حيث تتمتع بعلاقات تجارية تصل إلى مئات المليارات”، وقال الزهيري: “نقول بصوت عال وواضح، بأنه طالما جلس الفلسطينيون على الطاولة ذاتها مع إسرائيل فيجب ألا تمنع السعودية من الجلوس على طاولة المفاوضات معهم أيضا”.
ويشير بوكسرمان إلى أن السعوديين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن مواقفهم وآرائهم في السياسة السعودية، وتمنح وسائل التواصل لهم خيارات أوسع من الدعاية الحكومية، فثلث سكان السعودية ناشطون على “تويتر”، وينشرون شهريا 150 مليون تغريدة، لافتا إلى أنه بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، فإنه انتشر فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان “أكثر10 كتاب سعوديين يطالبون بالتطبيع”.
ويعلق الموقع قائلا إنه “على الفضاء السايبري/ الإلكتروني، فإن القيود على حرية التعبير تم تخفيفها، وسيجد السعوديون فرصة لتحدي مسار المملكة الجديد، وفي الوقت الذي تسامح فيه الإعلام التقليدي مع مقالات تدعو للتطبيع، فإن مستخدمي (تويتر) لم يسامحوا كتابا كهؤلاء، فمقال الزهيري الداعي للتفاوض وجد شجبا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي السعودية”.
ويختم “تايمز أوف إسرائيل” تقريره بالإشارة إلى ما كتبه أحمد بن راشد بن سعيد، الذي يعد من أشهر مستخدمي “تويتر” السعوديين، قائلا: “البلطجة الحقيقية لا تستحق الرد”، “هاشتاغ فلسطين هي لنا، كفاح شعب هاشتاغ لا للتطبيع”.