بعزة وأنفة وثبات يتربعن فوق مصاطب أزقة البلدة القديمة، يقرأن القرآن ويتبادلن بأصواتهن صدق الدعاء، يتهجدن ويقمن الصلاة ويرفعن أيديهن إلى السماء، لا يتوقفن عن النصرة ولا عن إمداد بعضهن بأسلحة الإيمان بوعد الله.

لا يمكن للكلمات أن ترد الجميل للنساء المرابطات على أبواب المسجد الأقصى، وفي أزقة البلدات القديمة، فهن سند الرجال وقوة الصمود ومنبع داوم الثبات على ذات الدرب، فلا يمكن لهن التراجع عن الرباط أمام الحب الكبير الذي يربطهن روحاً وقلباً في باحات المسجد الأقصى المبارك الذي يرضخ للحصار لما يقارب الأسبوع ضمن إجراءات تعسفية بحقه.

وحدهم أهل القدس في المواجهة وخلف كواليس الأحداث، وحدهم من يحملون القضية على أكفهم، وحدهم الذين يقفون الآن في وجه الموت كي لا يضيع ما تبقى من المسجد الأقصى المبارك لصالح اسرائيل، الذي يعربن على تغيير الملامح الأخيرة بالمسجد الأقصى من معلم قدسي إسلامي إلى آخر يهودي لا يمت للمسلمين بأي صلة.

شرارة المواجهات والتعدي على النساء، بدأت بإغلاق الشرطة الاسرائيلية لأبواب المسجد الأقصى المبارك لثلاثة أيام متواصلة، وتركيب كاميرات خفية بداخله، ونصب أبواب إلكترونية فاحصة لكل وارد إلى المسجد الأقصى، والتي لها مخاطر جسيمة على المدى البعيد تتلخص بفقدان المسجد الأقصى بأكمله من أيدي المسلمين، ما أشعل نار الحرقة بقلوب المقدسيين.

كلمة واحدة

مشروع التحدي والمواجهة وإعلان الأصوات المنددة بالإجراءات القاسية تصدرته النساء والفتيات والمسنات الكبار، حيث ربطن على قلوبهن المشتاقة لعناق ساحات المسجد الأقصى المبارك ووقفن بثبات ورفض الدخول عبر تلك البوابات.

نساء البلدات القديمة بالقدس أصررن على الوقوف أمام البوابات الإلكترونية في زقاق باب الأسباط المؤدي لساحات المسجد الأقصى، واتحدن في مواصلة درب الثبات، حيث أعلن جميعهن بصوت واحد "من يدخل تلك البوابات فليس منا".

ومن أبرز أمثلة تكاتف نساء أهل القدس والمرابطات بداخله، انشغال أهل الأحياء المقدسية بطهي الاطعمة لإبقاء المرابطين في مكانهم دون ترنح، فكانت العديد من النساء قد طبخن "المقلوبة" وأنواع من الأرز وتقديمها كطعام غداء، لمساندة رجال ونساء القدس على رباطهم.

وتتصدى النساء والصحفيات والفتيات الصغيرات لمواجهات المسجد الأقصى لحماية أبنائهن وأشقائهن من الشبان المقدسيين الذين يتصدون للجنود الاسرائيليين.

وتعرضت المرابطات والعديد من الصحفيات، لخوض غمار المواجهات مع الشرطة الاسرائيلية لإصرارهن على الثبات دون الدخول إلى ساحات المسجد الأقصى عبر البوابات، مما تسبب بإصابة بعضهن برصاص مطاطي.

وحملت نساء القدس على عاتقهن حماية المسجد الأقصى برجاله، حتى الوصول إلى غايتهن في مطواعة اسرائيل لطلباتهم في إزالة البوابات والكاميرات وإرجاع المسجد الأقصى على ما كان عليه سابقا.

مرابطات المسجد الأقصى، "ما زلن خارج الأبواب" متحديات صامدات، رغم استمرار التهديدات لهن والمضايقات، إلى جانب الاعتقالات والتحقيقات، ناهيك عن منعهن من السفر خارج البلاد، إلا أنهن مازلن عند موقفهن وهن يرددن "لن نبرح مكاننا إلا أن يتحقق منانا بالدخول والصلاة في أقصانا دون هوان".

شكّلت المرابطات علامة فارقة في "انتفاضة القدس"، وبِتنَ رمزاً للصمود في وجه الشرطة الاسرائيلية ومستوطنيه، حتى استنهضت مشاهد اعتقالهن وضربهن همة الشعب الفلسطيني للانتفاض والدفاع عن مقدساتهم، التي أسهم تكالب الأحداث على الساحة المحلية والإقليمية في تغييبها عن أذهانهم.

وتعرّضت المرابطات لمختلف أنواع الانتهاكات والاعتداءات من قبل الشرطة الإسرائيلية، حيث شملتهنّ سياسة الاعتقالات وقرارات الإبعاد، منذ الهجمة التي شنّها المستوطنون والشرطة الاسرائيلية على الأقصى، خلال أعيادهم العبرية في محاولة لتقسيمه زمانياً ومكانياً.

كي تتعرف إلى المرابطات عليك السير في أحياء القدس القديمة، داخل الطرق المؤدية إلى باب الأسباط، تسّمَعُ أصواتُهن وهنّ يرتلن آيات من كتاب الله، وتجد أخريات وهن يجلسن لسماع تفسير آيات، وأخرى تتحدّث عن التاريخ، والشعر والأخلاق، فتتعمق صلتهن بالأقصى ويتعاظم الاستعداد لديهن لحمايته والدفاع عنه بالغالي والنفيس.

الكلمات الدلالية : نساء, القدس.., علامة, فارقة, معادلة, حماية, الأقصى,